عمر بن الخطاب الناقد المتذوق للشعر
وكان عمر بن الخطاب يستقصي أخبار شعراء العرب في الجاهلية . وكان ناقدا وعالما بأبواب قول الشعر ودرك وسبر غور معانيه . ويروى عن عمر بن الخطاب قوله :" علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل وما عذب من الشعر" .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الإعجاب بزهير ، أكد هذا ابن عباس إذ قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول غزاة غزاها فقال لي : أنشدني لشاعر الشعراء ، قلت : "ومن هو يا أمير المؤمنين؟" قال : ابن أبي سلمى ، قلت : وبم صار كذلك؟ قال : " لا يتبع حوشي الكلام ولا يعاظل في المنطق ، ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمتدح أحداً إلا بما فيه".
وذكر أبو عبيدة أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول : "كان الأخطل يشبّه بالنابغة" . وعن أبي قتيبة ، قال الشعبي: دخلت على عبدالملك بن مروان وعنده رجل لا أعرفه ، فالتفت إليه عبدالملك فقال : من أشعر الناس فقال : أنا ، فأظلم ما بيني وبينه ، فقلت : من هذا يا أمير المؤمنين فتعجب عبد الملك من عجلتي فقال : هذا الأخطل ، فقلت أشعر منه الذي يقول :
هذا غلام حسن وجهه- مستقبل الخير سريع التمّام
فقال الأخطل : صدق أمير المؤمنين ، النابغة أشعر مني ، فقال عبد الملك : ما تقول في النابغة قلت قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرّة .
قال عمرُ بن الخطّاب للوَفد الذين قَدموا عليه من غَطفان من الذي يقول :
حلفتُ فلم أتركْ لنَفْسك رِيبةً وليس وراء الله للمرءِ مَذْهَبُ
قالوا: نابغة بني ذُبيان . قال لهم: فمن الذي يقول هذا الشعر :
أتيتُك عارياً خَلَقاً ثِيابي على وَجَل تُظنُّ بيَ الظُنونُ
فألفيتُ الأَمانةَ لم تَخنْها كذلك كَان نُوحٌ لا يَخونُ
قالوا: هو النابغة . قال: هو أشعرُ شُعرائكم . (العقد الفريد- ابن عبد ربه) .
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة قال : قال عمر بن الخطاب للحطيئة : كيف كنتم في حربكم؟ قال : كنا ألف فارس حازمٍ . قال : وكيف يكون ذلك؟ قال : كان قيس بن زهير فينا وكان حازماً فكنا لا نعصيه . وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم . وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه . وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره ، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر : صدقت .
وقيس بن زهير المذكور في قول الحطيئة هو قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة ، أبو هند ، يرتفع نسبه إلى عَبس بن غَطفان ، سيد بني عبس وأميرهم ، ورث السيادة عن أبيه زهير بن جذيمة أحد سادة عرب .
ولما شكا الناس الحطيئة إلى عمر بن الخطاب أحضره وحبسه . وكان سبب ذلك أن الزبرقان بن بدر سيد بني تميم شكاه لعمر لما قال فيه شاعرا عده الزبرقان هجاء في قوله :
دعْ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها * واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي
فقال له عمر : ما أراه هجاك ، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا؟
فقال: يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا . ولما لم يكن قول الشعر من صناعة عمر استعان برأي الخبير في الصناعة حسان بن ثابت . فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك .
فقال : يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه ، فعند ذلك حبسه عمر وقال : يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين ، ثم شفع فيه عمرو بن العاص فأخرجه وأخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستتابه .