الفلسفة . . . بين الحق والباطل
بقلم : طرواية عمر بتاريخ :01-04-2013
إنّ من العمليات العقلية التي يتميز بها الإنسان على مستوى نشاط الذهن ، هو " الفكر" أو – بأكثر تدقيق – نقول : " عملية التفكير " . وهذه العملية يختص بها العام والخاص – مع وجود استثناءات كالطفل والمجنون وغيرهم في نظر البعض – يعبر بها عن ما يجول في خاطره من مشاعر وأحاسيس داخلية من جهة ، ومن جهة أخرى تساعده على التكيّف مع العالم الخارجي .
ويمكن أن نربط " الفكر" بمفهوم عام يعبر عنه ، أو ما يحلو للعديد من المفكرين والفلاسفة تسميته ب ( الفلسفة )، والتي ظهرت منذ القدم- بشكل جلي- مع الحضارة الاغريقية وتعني " حب الحكمة " ، ومنذ هذه الفترة بدأت تمنح لها تعاريف مختلفة و متعددة مع مرور الزمن ، و باختلاف الثقافات والإيديولوجيات.
لكن، طرحنا لهذا الموضوع ليس الغرض منه الوقوف على بعض تعاريفها أو مجالاتها أو موضوعاتها ، وهل هي علم أو دراسة أو فن؟ ، و أنما أردت أن أعالج في موضوع " الفلسفة " القضية التي أثيرت منذ ظهورها إلى يومنا هذا . ومفادها : هل هي حقيقة وحق يمكن الأخذ والعمل بها ؟ ، أم هي مجرد خرافات وأفكار أنتجها العقل اليوناني ، وبث سمومه في مختلف الثقافات عبر العصور يجب محاربتها ؟
إذا ، يمكن – في البداية- التسليم بأن الموقفين كلاهما على صواب ، فقولنا بأن (الفلسفة) علم باطل وضلال ، يوجد ما يبرر ذلك . فمثلا نجد في حضارتنا العربية الاسلامية قديما ، سواء تعلق الامر بالفلسفة الاسلامية أو علم الكلام ، بعض الفلاسفة أو المتكلمين أخذوا من الفلسفة اليونانية مسائل لم يراعوا أو بالأحرى لم يستطيعوا كيف يوفقوا بينها وبين الشريعة ( بين العقل والنقل ) كـ : مسألة قدم العالم وحدوثه ، مسألة الزمن ، مسألة العقل الفعّال ( مفارق أو محايث) ...الخ . وبالرغم أنّ بعضهم قد عرف كيف يعالج هذه المسائل ويوفّق بينها وبين الشرع ، إلاّ أن العديد منهم دخل في الجدال والنقاش ، ما لبثوا إلاّ أن أوقعوا أنفسهم في الشرك و الإلحاد.
هذا كنموذج تاريخي ، أما في حاضرنا ( العربي الاسلامي ) وأقصد بالخصوص على مستوى المؤسسات التربوية ( الثانوية والجامعة ) ، فنجد العديد من الاساتذة و الطلبة ذوي هذا الاختصاص لحبهم وتعلقهم الشديد بهذا الاخير – وهذا ليس عيب – الكثير منهم فقد هويته الثقافية والدينية ، فتسمع : هذا اشتراكي ، وهذا ليبرالي ، وهذا نيتشوي ، وهذا دريدي ...الخ ، هل سمعتم يوما عندهم : هذا رشدي ، وهذا خلدوني، وهذا اسلامي عموما ؟ فشتّان أن تحب شخص كفكر أو تتقمص شخصيته.
أما قولنا بأن الفلسفة حق وحقيقة ،فهذا الموقف أيضا ما يبرره ، فإذا رجعنا إلى تراثنا العربي الاسلامي فنجد أحسن نموذج يمثل هذا الموقف هو صاحب كتاب "فصل المقال وما تقرر بين الحكمة والشريعة" ( أبو الوليد بن رشد ) ، فهذا الشخص عرف كيف يضيّق الهوة التي كانت موجودة في ثقافتنا آنذاك بين العقل والنقل . أذكر فقط فكرة واحدة من بين الافكار التي ذكرها في كتابه سالف الذكر ، حيث أنّه قبل أن يفصح عن موقفه استدلّ بآيات من القرآن الكريم التي تدعوا الانسان إلى التأمل والتدبّر في الكون بإعمال العقل والاجتهاد به ، وقد قال : ( إنّ معرفة الموجودات تدلنا إلى معرفة الصانع. ) وهذا دليل قاطع – في نظره – على عدم وجود تعارض بين الحكمة والشريعة .
أما على مستوي الانسانية عموما ، فأنطلق من نظرية " الكوجيتو " الديكارتية ( أنا أفكر ، إذن أنا موجود ) ، وكأنه يريد أن يقول لنا : لا وجود بدون فكر ، ولا فكر بدون وجود . فالإنسان كلما بلغ درجة من درجات المعرفة و العلوم ،فإنه يكتشف سر من أسرار وجوده خصوصا ومن أسرار الكون عموما من جهة ، وإنّه من جهة أخرى يتخلص من قيود وسجن الكهف الأفلاطوني .
فكلمة " الميتافيزيقا "هي إلاّ تهمة موجهة للفلسفة تدعوا الانسان إلى عدم معرفة الله والشرك به ، وعدم الاعتراف بالنعيم الذي ينتظر المؤمنين والجحيم الذي ينتظر المذنبين . و " الواقعية المفرطة " هي أيضا تهمة موجهة للفلسفة تدعوا الانسان إلى حياة اللامبالاة و إهمال الذات وعدم الاعتراف بكيانه ونكران الحياة . وقد نسب لنبينا صلى الله عليه وسلم أنّه قال : ( من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم .) وعندما نقول العلم نقول الفلسفة ، وعندما نقول الفلسفة تحيلنا إلى الفكر ، وعندما نقول الفكر يحيلنا إلى العقل ، فهذا الأخير يجب أن نحافظ عليه فهو الوحيد الذي يرشدنا على ما هو حق وما هو باطل.